أزمة التعليم في سوريا - وجهة نظر المعلّمين

منشور
الموضوعات:
القطاع الانساني - التعليم

لقد قسمت سنوات الصراع منذ عام 2011 سوريا إلى عدة مناطق يسيطر على كل منها بحكم الأمر الواقع تنظيمات سياسيّة وعسكريّة مختلفة. وتعتمد كل سلطة من هذه السلطات نظامًا تعليميًّا مختلفًا من حيث الإدارة والمناهج المعتمدة ولغة التعليم الأساسيّ. وهناك على وجه الخصوص، تباين بين المناطق في الموارد البشريّة والبنيّة التحتيّة والمنظمات التي تُعنى بالتمويل. 

كانت انطلاقة هذا المقال نتيجة محادثات مع أعضاء في مجتمع الممارسين في الشبكة ، تبعها استطلاع رأي قصير تم توزيعه في بعض المناطق التي تواجه التحديات الكبرى فيما يتعلق بالتعليم، وقد قمنا هنا بتلخيص بعض شهادات معلّمين وأولياء أمور الطلّاب، أغلبهم يقيمون في شمال وشمال غرب سوريا. إلا أن الوضع المزري الذي تعكسه هذه الشهادات قد ينطبق في المناطق الأخرى الخارجة عن سيطرة الحكومة السوريّة.

يريد المعلّمون جذب الانتباه بشكل أساسي إلى عدم وجود دعم كاف للتعليم والمعلّمين في مناطقهم. ويرجع ذلك جزئيًا إلى ندرة التمويل وتراجع اهتمام المجتمع الدولي بالأزمة السوريّة بسبب طول أمدها وتزايد تعقيدها على مر السنين. ويرجع ذلك أيضًا إلى ظهور أزمات دوليّة معقدة في مناطق أخرى من العالم، مثل الحرب في أوكرانيا. تقدّم مقالة من The New Humanitarian بعنوان"حان الوقت للحديث عن شمال غرب سوريا" مزيدًا من التفاصيل حول الأزمة الإنسانيّة الشاملة في شمال غرب سوريا 

وقد أجمع المعلّمون في محادثاتنا وفي استطلاع الرأي الذي وزعوه في مجتمعاتهم، على هذه المجموعة من التحديات:

 

Teachers of strike Syria
 صورة توضيحيّة: معلّمون سوريون من إدلب مضربون للمطالبة برواتبهم غير المدفوعة.  Photo credit: https://hrs.ngo

 التحدي 1 - نقص الموارد وعدم كفاية دخل المعلّم

يفتقر المعلّمون في معظم مناطق سوريا إلى الموارد الماديّة والماليّة التي يحتاجونها للتدريس بفعاليّة، وغالبًا ما يصعب عليهم تلبية حتى الاحتياجات الأساسيّة لعائلاتهم. هذا النقص في الاستقرار والموارد يجعل من الصعب على المعلّمين التركيز على عملهم، كما أنه يؤدي إلى تدهور في جودة التعليم. ويضطر العديد من المعلّمين إلى ترك المهنة والبحث عن وظائف أخرى، مما يؤدي إلى عجز المدارس عن توفير التعليم وتحوّل الأطفال إلى العمل بدلًا من التعلّم.

 

يبيّن أحد المعلّمين مدى عدم الاستقرار المالي وعدم المساواة بين المعلّمين:

 

"أحد أهم التحديات التي تواجه المعلّمين هو الدعم المالي المتقطع والمعدوم أحيانًا. بعض المعلّمين يتلقون رواتبهم خلال بضعة أشهر فقط من العام الدراسي، والبعض الآخر يحصلون على دخل خلال العام الدراسي وليس لديهم دخل خلال العطلة الصيفيّة. وهناك من لا يتلقى أي تعويض على الإطلاق لأنهم يعملون كمتطوعين! تؤدي عدم القدرة على التنبؤ بما يخص الدخل إلى فقدان الإحساس بالأمان الوظيفي، وهذا بدوره يؤثر سلبًا على عمليّة التعليم والتعلّم، وبطبيعة الحال، على الطلّاب.

بالإضافة إلى ذلك، أدّى التضخّم المتزايد وانخفاض قيمة الليرة السوريّة والليرة التركيّة (المعتمدة في شمال وشمال غرب سوريا منذ عام 2020) إلى تفاقم معاناة المجتمعات والأفراد، وخاصة ذوي الأجور المنخفضة، مثل المعلّمين. يبيّن أحد المعلّمين من منطقة خاضعة للسيطرة التركيّة التراجع الحاد في القيمة الشرائيّة لراتبه المدفوع بالليرة التركيّة:

 

"في عام 2018، كان الراتب الشهري للمعلّم 500 ليرة تركيّة، بما يقابل حوالي 130 دولارًا أمريكيًا. في عام 2020، تمت زيادة الراتب إلى 750 ليرة، لكنه كان يعادل 110 دولارات أمريكيّة فقط. في أوائل عام 2022، كان راتبي الذي ارتفع إلى 1100 ليرة يعادل 65 دولارًا أمريكيًا فقط. في الآونة الأخيرة، وبعد احتجاجات وإضرابات متعددة، حدّدت وزارة التعليم التركيّة راتب المعلّمين السوريين بـ 1925 ليرة، أي ما يعادل الآن حوالي 100 دولار أمريكي فقط.

منذ إجراء هذه المحادثة، وافقت الحكومة التركيّة على رفع الحد الأدنى لأجور مواطنيها إلى 8500 ليرة في عام 2023، ولكن ليس من الواضح ما إذا كان هذا ينطبق أيضًا على المعلّمين السوريين. ومن المؤكد أن أزمة الزلزال المدمرة في أوائل فبراير 2023 سيكون لها تأثير سلبي على تنفيذ هذه التدابير وغيرها.

تؤكد نظرة عامة على تقرير "الاحتياجات الإنسانيّة في سوريا لعام 2023" الشهادات التي وصلتنا والتي تشرح كيف يؤثر التضخم المتزايد وتقلص القوة الشرائيّة للمجتمعات والأفراد بشدة على قدرة المعلّمين على تلبية احتياجاتهم الأساسيّة. تشكل الرواتب المنخفضة وغير المنتظمة تحديًا إضافيًا، خاصة للمعلّمين الذين يحتاجون إلى التنقل عبر مسافات طويلة للوصول إلى مدارسهم وتغطية تكاليف النقل المرتبطة بذلك. وهذا يؤدي إلى التغيب، واستنزاف المعلّمين وهجرهم للتعليم، وإلى الإضرابات التي تعطل سير العمليّة التعليميّة.

 

التحدي 2 - نقص التأهيل والتدريب للمعلّمين

لقد تسببت الأزمة طويلة الأمد في نقص حاد في أعداد المعلّمين المؤهّلين، واضطرت الوكالات التي تدير العمليّة التعليميّة إلى الاعتماد على معلّمين لم يتلقوا إعدادًا وتدريبًا كافيين، وبالتالي هم عاجزون عن دعم التعلّم الجيّد. يمكن لهذا النقص في التدريب أن يكون له أثر سلبي طويل الأمد على التعليم الأساسي وأن يؤدي إلى انخفاض في معارف ومهارات التلاميذ والطلّاب عموماً.

كمثال بسيط للغاية، أشار أحد المشاركين إلى التحديات التي تواجه المعلّمين في فهم اللهجات المختلفة لتلاميذهم: "إحدى المعلمات من إدلب و غالبية تلاميذها من المنطقة الشرقية، وهذا يؤثر سلبا على التواصل في الصف"

 تؤكد النتائج المستخلصة من تقييم الاحتياجات متعدد القطاعات (MSNA) الذي أجري في يوليو - أغسطس 2022 على نقص الاستثمار في المعلّمين كما تبينه إجابات الأسر التي لديها أطفال في سن المدرسة، إذ أشار 44 في المائة إلى ضرورة زيادة الدعم للمعلّمين، وأشار 18 في المائة إلى الحاجة إلى زيادة أجور المعلّمين، وأشار 11 في المائة إلى الحاجة إلى توظيف المزيد من المعلّمين لتحسين الخدمات التعليميّة.

التحدي 3 - انخفاض عدد المدارس المفتوحة واكتظاظ الصفوف الدراسيّة

يؤدي نقص المعلّمين المؤهّلين وانخفاض الدعم إلى اكتظاظ الصفوف الدراسيّة وعدم حصول الطلّاب على الدعم الكافي. ويشير أحد المشاركين من جنديرس "إلى اكتظاظ أكثر من 50 تلميذاً في الصف الأول في إحدى مدارس القرية". ففي مثل هذه الظروف، يصعب على المعلّمين الاهتمام بكل طالب من طلّابهم، ناهيك عن الاستجابة لاحتياجاتهم الطارئة للدعم والرعاية النفسيّة والاجتماعيّة، والتي، لا تقلّ، في مثل هذه السياقات، أهميّة وتحديًا عن الدعم الأكاديمي. وهذا بالطبع يزيد من أخطار التسرب المدرسي وانتشار الأميّة بين الشباب.

 التحدي 4 - نقص المستلزمات التعليميّة اللازمة لتعليم وتعلّم جيّدين

يمنع نقص الكتب والمعدات التعليميّة مثل المناهج والقرطاسيّة والتجهيزات التعليميّة المعلّمين من تقديم الدعم اللازم لتعلّم طلّابهم، ويزيد من الإحباط بين الطلّاب والمعلّمين على حد سواء.

برامج التمويل قصيرة الأجل غير قادرة على تلبية احتياجات التعليم طويلة الأجل

ليس سرًّا أن التحدّيات التي تعيق التعليم في سوريا لها أبعاد كثيرة، ماليّة واجتماعيّة وخاصّة عسكريّة وسياسيّة. وضّحت محادثة مع إحدى أعضاء مجتمع الآيني الذين يناصرون التعليم في شمال غرب سوريا بعض أسباب الأزمة الماليّة التي تواجهها المدارس والمعلّمون: يعتمد تمويل التعليم في سوريا في أكثر المناطق على المنظّمات الدوليّة، التي تميل إلى دعم التعليم غير الرسمي باعتباره أبسط التدخلات وأحيانًا أفضلها في حالات الطوارئ الحادة. لكن الوضع في جميع مناطق سوريا تطور الآن من حالة طوارئ إلى حالة أزمة معقدة وطويلة الأمد، الأمر الذي يتطلب حلولًا مختلفة أكثر تكاملًا وأطول أجلًًا لدعم نقل التعليم إلى مرحلة الإنعاش المبكّر.

 

تم تأكيد هذا التقييم في العديد من الدراسات، على سبيل المثال، تحدّد الدراسة المعنونة "أزمة التعليم في سوريا: نهج مستدام بعد 11 عامًا من النزاع"، التي شارك في تأليفها إحدى أعضاء الشبكة، ونشرت في مارس 2022، التحديات العامة التي تعيق إتاحة التعليم الجيّد والشامل في مختلف مناطق سوريا على النحو التالي:

  •  التأخير في اعتماد نهج للإنعاش المبكّر في التعليم يتلاءم مع الطبيعة المطولة للنزاع، والذي يستلزم تخطيطًا أكثر استراتيجيّة وطويل الأمد.
  •  يؤدي الاكتفاء ببرامج تمويل غير مستدام قصير الأجل إلى ثغرات كبيرة في البرمجة، وعدم إيلاء الاهتمام اللازم لمراقبة الجودة ورصد نتائج التعلّم، ناهيك عن عدم كفاية الموارد المخصصة للتعليم.
  •  سوء إدارة المعطيات وتشرذمها عبر المناطق المختلفة، مما يعيق تحليل المعطيات كما يجب والوصول إلى تقييم أدق لاتجاهات التعليم واحتياجاته في مختلف أنحاء سوريا.

لا شك أن الأزمات المعقّدة تتطلب حلولا شاملة لا جزئيّة. نأمل أن يساعد هذا المقال القصير في إعادة تسليط الضوء على الوضع التعليمي في سوريا. ونأمل أن يتمكّن المعلّمون والمدافعون عن التعليم والمموّلون من العمل معًا لإيجاد حلول جديدة وخلّاقة، وموارد جديدة لتمويل التعليم الجيّد في كل أرجاء سوريا.

لمزيد من المعلومات والأدلة حول الوضع التعليميّ المعقّد في سوريا، يمكن مراجعة هذه الدراسات والتقارير:

للحصول على الموارد لدعم التعليم والدعم النفسي الاجتماعي ورفاهية الطلاب والمعلّمين وأولئك الذين تضرّروا من الزلازل في تركيّا وسوريا، يمكنكم زيارة الصفحة: موارد للاستجابة للزلازل في تركيّا وسوريا.

يمكنكم مشاركة اقتراحاتكم مع فريقنا عبر مجتمع الممارسين في الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ، قناة #سوريا، أو عن طريق إرسال بريد إلكتروني إلى ميسّر القناة بلال خليفة [email protected]، وإلى [email protected].

 

رسالة شكر ودعم

شكر خاص لليلى حسو وكرم الأمير وأنس المحمد وبلال خليفة الذين قدّموا معلومات وموارد ورؤى قيمة وساهموا في تشكيل هذه المدونة.

نتجت هذه المدونة عن محادثات وتعاون مع أعضاء سوريين في الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ الذين يواجهون، ومجتمعاتهم، الآن كارثة جديدة مع زلزال في 6 فبراير 2023 المدمر. ويعرب مجتمع الآيني عن دعمه وتضامنه مع جميع المتضررين.

الكاتب:

image of author

د.عُلى أبو عمشة، هي منسقة التعلّم والتطوير في الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ، وكانت قبلًا منسقة مجتمع ممارسي الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ من 2021-2022. 

عُلى أستاذة جامعيّة سوريّة سابقة. أمضت 12 عامًا في المعهد العالي للعلوم التطبيقيّة والتكنولوجيا في دمشق، وكذلك جامعة دمشق، والجامعة الافتراضيّة السوريّة. منذ مغادرتها لسوريا في عام 2012، بدأت أنشطتها في التعليم في حالات الطوارئ بالعمل مع البنك الدولي، موزاييك للتعليم، والمنظمة اليسوعيّة للتعلّم عبر العالم ومركز التعلّم المهني التابع لمنظمة تربية وتعليم الطفولة الدوليّة.