أطفالنا في مواجهة الأزمات

في ظلّ هذه الظّروف العصيبة الّتي نمرّ بها، يقف الآباء والأمّهات مذهولين، حائرين أمام القلق الّذي يتملّكهم في عمليّة البحث عن وسائل يمكن اللّجوء إليها، للتّعامل مع أطفالهم.  ورغم معرفتنا أنّ الأطفال لديهم طاقات داخليّة "عالم داخليّ" غنّيّة، هذا العالم يساعدهم على مواجهة الصّعوبات والتّجارب المؤلمة، وما يرافقها من مشاعر طبيعيّة كالخوف، الحزن، الغضب، إلاّ أنّنا على يقين بأنّ البيئة الدّاعمة، من أهل ومربّين، ستسهم في تخطّي الأزمة بأقلّ ضرر ممكن.

يتعرّض الرّاشدون/ات أيضًا إلى الأزمات، فالظّروف التّي يمرّ بها الأطفال هي نفسها الظّروف التّي نمرّ بها نحن.  لدينا تجارب وقدرات نفسيّة تدعمنا في مواجهة الأزمات، لكن وخاصّة في الفترة الأولى من الأزمة، تظهر لدينا علامات من الخوف، الغضب، القلق، والتّي بدورها تؤثّر أيضًا على أطفالنا.  لا نتوقّع من الأهل أن يتخطّوا الأزمة دون مشاعر الغضب والخوف والقلق… بل على العكس فهي مشاعر طبيعيّة جدًّا، بل هي دليل على صحّتنا النّفسيّة.  ما نتوقّعه، أو ما نسعى إليه، أن يتعامل الأهل والرّاشدون الآخرون مع هذه المشاعر بشكل ناضج، كيّ يوفّروا نماذج إيجابيّة لأطفالهم وطفلاتهم.

يحاول البعض إخفاء هذه المشاعر عن الأطفال، اعتقادًا منهم أنّهم يساعدونهم بذلك على عدم الخوف، أو يساعدونهم على التّأقلم

الإيجابيّ. وهنالك من يحاول عدم التّعامل مع المشاعر، لأن الواجب القوميّ يحتّم علينا أن نتحلّى بالصّبر والشّجاعة، فالشّهيد لا يبكونه، إنّما يفرحون لشهادته، ومن هذا المنطلق لا نسمح للأطفال بالتّعبير عن حزنهم، وبعض الراشدين يشعرون بالعجز وبالتّالي بالقلق لعدم مقدرتهم على حماية أطفالهم ممّا يحدث.

من المهمّ أن نعرف أنّ تجاهل مشاعر الطّفل، كبتها أو اللامبالاة تجاهها، قد تؤدّي إلى ظهور هذه المشاعر بصور مختلفة، فقد يعبّر عنها الطّفل بأحلامه، أو قد تظهر على شكل أعراض جسديّة مختلفة.  أو قد ينعكس الأمر على تصرفاته فيصبح عدائيًّا، أو ينطوي على نفسه، وقد يؤثّر على حالته العاطفيّة فيصبح قلقًا وخائفًا.

يمكنكم مساعدة أنفسكم بتذكّر التّجارب الصّعبة التّي تمرّون بها، أو مررتم بها وكيف أثّرت عليكم؟ هل ظهر الأثر للآخرين؟ كيف تأثّر الآخرون بالحدث؟ أيّة مشاعر رافقتكم؟ كيف اجتزتم الأزمة؟ ما هي العوامل التّي ساهمت في اجتيازكم للحدث؟ هل استطعتم الاستمرار في الحياة اليوميّة مباشرة أم احتجتم إلى وقت للتّعامل مع الحدث؟

مثل هذه الأسئلة ستعيد لأذهانكم/نّ ما يمكن أن يمرّ به الصّغار، فهم يمرّون بالمواقف نفسها.  غير أنّ قدرتهم على التّعامل مع الظّروف الضّاغطة أو الأزمة، محدودة، لأنّه لم تتوفّر لهم التّجارب بعد.  كما وأنّ آليّاتهم الدّفاعيّة، وسبل التّعامل والمواجهة أقلّ تطوّرًا.  فهم بحاجة ماسّة لدعمكم.

الأهل والمعتنون بالطّفل عادة لديهم خبرات عينيّة، وموروث ثقافيّ غنيّ يساعدهم على دعم أطفالهم دون حاجة للخبراء.  ففي الماضي توفّرت في مجتمعنا آليّات اجتماعيّة ساعدت الأهل على تبادل الخبرات في التّعامل مع أطفالهم، ومكّنتهم من المشاركة في تجاربهم العينيّة، والتّعلّم من خبرات بعضهم البعض.  فالعيش في العائلة الموسّعة ساهم في نقل التّجارب من الأمّ إلى الإبنة أو إلى زوجة الإبن، كما وأنّ زوجات الأبناء دعمن بعضهنّ البعض.  اليوم وبعد انهيار البنية التّحتيّة المجتمعيّة، الّتي كانت سائدة في مجتمعنا (كالعائلة الموسّعة) لم تطوّر بدائل مجتمعيّة ومؤسّساتيّة كافية، إذ أنّ التّغيّر الّذي مرّ به مجتمعنا كان قسريًّا.

معلومات عن المصدر

نوع المورد

تقرير

منشور

الجهة المنظمة

ألّفه

Dr. Hala Espanioli and Nabilia Espanioli

الموضوعات

حقوق الانسان و حقوق الطفل