دمج الطلبة ذوي الإعاقة في المدرسة العامــة والمجتمع
تكمن أهمية تعليم الطلبة ذوي الإعاقة في المدرسة العامــة جنباً إلى جنب مع أقرانهم من غير ذوي الإعاقة، كون هذه البيئة الطبيعية التي يَجب أن يكونوا فيها، فهي من أبسط حقوقهم في التعليم الجامع أسوة بغيرهم من الطلبة، وذلك ما دعمته العديد من القوانين التي حَثت على دمجهم في البيئة المدرسية العامة. وإن كنا نتحدث عن المدرسة التي لا تستثني أحداً فمن الضروري أن نتحدث عن إشراكهم فيها فهي مدرسة تقبل التنوع والاختلاف، فلا يمكن وصف مدرسة شاملة دون وجود دور فعّال لهؤلاء الطلبة فيها .
إن المتتبع للأدب التربوي المُتعلق بدمج هؤلاء الطلبة في المدرسة العامة والمجتمع، يجد أن الاهتمام بتعليم هذه الفئة من الطلبة قد مر بمراحل عديدة خلال الفترة الماضية وصولاً إلى وقتنا الراهن؛ حيث كانت بداية محاولات دمجهم في وقت متأخر في العديد من الدول، وقد مرت مدارس الدمج التي التحق بها هؤلاء الطلبة بمراحل انتقالية عديدة، ففي بادئ الأمر تجدر الإشارة إلى أن دمج هؤلاء الطلبة قد شهد خلال منتصف القرن العشرين وحتى وقتنا الراهن قفزات نوعية في شكل الاهتمام بالدمج حول العالم وخاصة الدول الأوروبية التي كانت في المرتبة الأولى على مستوى العالم في عملية البدء به، والدفاع عن حقوق هؤلاء الأشخاص؛ حيث وصفوا في فترة السبعينات والثمانينات بأنهم الجيل الأول من الدمج (Zakrzewska, 2015).
أما في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد ظهرت العديد من المبادرات والتشريعات خلال فترة السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، والتي دعت إلى تغيير آلية تنفيذ خدمات التربية الخاصة، وعلى ضوء ذلك انبثق توجه جديد عرف بمبادرة التربية العامة في الولايات المتحدة الأمريكية، وبمدارس الجميع أو المدارس التى لا تستثني أحدا وعرف أخيرا بالدمج الشامل (Handy & woodcock, 2015).
حيث ترجمت هذه المبادرات من خلال صدور القانون الأمريكي الذي جعل الرعاية المؤسسية غير مقبولة بمفردها. ففي عام 1975 صدر القانون رقم 94-142 وهو قانون تعليم الأطفال ذوي الإعاقة والذي يعرف حاليا بقانون تربية الأفراد ذوي الإعاقة. ولعل أهم ما تضمنه هذا القانون هو تأكيده على تقديم الخدمات التربوية المناسبة والمجانية للأطفال ذوي الإعاقة من الصف الأول الابتدائي وحتى سن 21.علاوة على ذلك، قدم القانون حوافز لدوائر التربية في الولايات المختلفة لتصميم برامج التدخل المبكر (Royster,Reglin, & Sedimo, 2014).
ويمكن توضيح مفهوم الدمج وفقا لما اشارت إليه الرابطة الوطنية المعنية بالتعليم في الولايات المتحدة الأمريكية أن الدمج هو أن يلتحق الطالب من ذوي الإعاقة بالمدرسة الأقرب لمكان سكنه، ومع نظرائه من نفس العمر الزمني والمرحلة التربوية، شريطة توفر خدمات الدعم التعليمي، وقد عرف المركز الوطني لإعادة هيكلة التعليم والدمج (NCRI) التعليم الجامع على أنه توفير التعليم لجميع الطلبة دون استثناء بمن فيهم الطلبة من ذوي الإعاقة، وذلك من خلال تعزيز فرص الحصول على خدمات تعليمية فعالة ومدعومة تتناسب مع أعمار هؤلاء الطلبة، وبالمدرسة العامة؛ وذلك لإعداد هؤلاء الطلبة كأعضاء منتجين في المجتمع المحلي (Barbra & Joylin, 2014).
ولكي تترجم تلك المفاهيم على أرض الواقع، لابد من توفر مرتكزات أساسية حيوية تعمل على توسيع فرص الوصول للدمج الشامل والدعم اللازم وتشمل تلك المرتكزات : أنظر لاحتياجات للطالب فقط وليس لإعاقته، الدعوة إلى الوصول الكامل لِهؤلاء الطلبة، إضفاء الطابع الفردي على مخرجات التعلم ، استخدام النهج المناسب للعمر الزمني والمشاركة الكاملة أو الجزئية في النشاطات، تشجيع مشاركة المعلم (Giangreco, Dymond, & Shogren, 2016).
بالرغم من أن هناك عددا قليلا من الدول أخذت بأسلوب دمج هؤلاء الطلبة في المدارس العادية وفي المجتمع، فإن المعلومات لا تزال محدودة عن طبيعة دمجهم في عدد كبير من الدول ومدى فعاليته، وتحدياته، كما أن عملية الدمج لها معان كثيرة باختلاف البلدان التي تتبع سياسة الدمج. ففي ألمانيا يبدو أن الدمج يأخذ شكل إمداد المدارس الخاصة والطلبة بتعليم يتناسب مع حاجاتهم وتيسير كل الإجراءات التى تجعل من المدرسة مجهزة قدر الإمكان لهم، بينما في فنلندا فإن الدمج يعني توفير وتجهيز مكان يدمج فيه جميع الطلبة داخل النظام التعليمي العام، وفي كوستاريكا يتم تكييف المناهج كي تتناسب مع قدرات الطلبة حتى تسهل عملية الدمج، وفي كوبا وسلفادور وبيرو يتم تحويل هؤلاء الطلبة من المدرسة الخاصة إلى المدرسة العادية متى كان الوقت مناسبا ـ وفي الأرجنتين وفنزويلا يتم تقديم خدمات الدعم اللازمة لهم داخل المدرسة العادية، وفي النرويج ونيوزلندا يتم تعليمهم وفقا للسياسة الواضحة في الدولتين ؛ حيث يتعلمون جنبا إلى جنب مع أقرانهم (بطرس، 2009).
أما في دول الخليج العربي فعلى الرغم من أن هؤلاء الأطفال يتلقون قدراً كبيراً من مشاعر التعاطف، إلا أن هذه المشاعر لم يتم ترجمتها من الناحية العملية في صورة ممارسات فعّالة لتعليمهم في ظل بيئة دامجه؛ حيث تتسم دول الخليج العربي بوجود نوع من التوتر والتعارض بين الحداثة المتسارعة داخل جنباتها وبين القيم والعادات والتقاليد التي تضرب بجذور عميقة في إرثها الثقافي والإجتماعي؛ ولذلك فإن الدول التي قررت بصورة واضحة ترجمة طموحاتها في تطبيق الدمج الشامل بدأت تصطدم بتحديات تضمين ممارسات التعليم الدامج في السياسات العامة .
ففي بعض دول الخليج العربي بدأت تعترف بهذه الفئه من الطلبة المتعلمين الذين يواجهون تحديات في عملية التعليم نتيجة لإعاقتهم فإن الانتقال من نظام التعليم التقليدي إلى نظام التعليم الحديث القائم على الدمج الشامل مازال يواجه العديد من التحديات، ومازالت خدمات التربية الخاصة المرتبطة بالتعرف وتصنيف وتعليم هؤلاء الأطفال غير قادرة على تلبية احتياجاتهم.
أضف إلى ذلك أن الإعاقات غير الظاهرة مثل صعوبات التعلم مازالت لا تلقي الدعم المأمول داخل أنظمة التعليم التقليدية، وهو الأمر الذي يُحدث نوعاً من الخلط في أذهان الأسر والمعلمين على السواء. ونظراً لغياب خدمات التشخيص الدقيقة والسليمة يتم إهمال هذه الفئات من الأطفال. والأمر الواضح أنه مازال في الدول العربية يهيمن النموذج الطبي النفسي على تعليم وتربية هؤلاء الطلبة (إمام، 2012).
أما في الأردن فتٌشير الإحصاءات إلى أن عدد الطلبة ذوي الإعاقة قي تزايد حيث يتم تقديم الخدمات لهم في المراكز الحكومية المعزولة و المراكز الأهلية بالإضافة لتشريع قوانين تدعم الدمج الشامل في المدارس العامة الحكومية ومبادرات تدعم تمكين هؤلاء الطلبة ( المجلس الأعلى لشؤون الأشخاص المعوقين, 2015).
الخاتمة
وبعد أن تم إستعراض موضوع دمج الطلبة ذوي الإعاقة في المدرسة العامةـ يتبين لنا أن هذا الأمر ليس بالسهولة التى يتصورها البعض، فهو يتطلب من جميع المعنيّن تقديم كل ما في وسعهم في سبيل نجاح هذه العملية التي لن تحدث في غضون أيام، بل تتطلب رؤية واضحة وتخطيط مسبق وبشكل دقيق لضمان نجاح دمج هؤلاء الطلبة في المدرسة العامة إلى أقصى قدر ممكن.
كما أن هذا الموضوع يتطلب إجراء المزيد من الدراسات والبحوث حوله، فهو موضوع ليس بالسهولة اختصاره بعدة أوراق بل يحتاج إلى تعمق أكبر، وإجراء دراسات حول فاعلية دمج الطلبة من ذوي الإعاقة في المدرسة العامة؛ حيث يفتقر الأدب التربوي العربي إلى تجارب واضحة وموثقة يمكن للباحثين الإستناد إليها.
وأخيراً يجب الإتفاق على أن دمج هؤلاء الطلبة في المدرسة العامة، هو حق أساسي من حقوق الإنسان، وأن مستواهم الأكاديمي والاجتماعي والانفعالي منطقياً سيكون أفضل في البيئة الطبيعية أي المدرسة العامة التي لا تستثني أحدا، بدلاً من حصرهم وعزلهم في بيئات غير داعمة مثبطة لقدراتهم.
وفي نهاية المقالة نقول : إن واقعنا العربي الذي مر بنزاعات دامية، ترك أثر سلبي على أطفالنا إن كانوا لاجئين أو ذوي إعاقة ومن غير ذوي إعاقة، لذلك علينا القيام بما نستطيع من أجل دعم هذه الفئات الأقل حظاً في التعليم، تقول كيلبن هيلر وهي أحد المُنظرين والمدافعين عن حقوق الأطفال الأقل حظاً في التعليم ومن ضمنهم اللاجئون ومن ذوي الإعاقة : وحدانا يُمكننا أن نفعل القليل، معاً يُمكننا أن نفعل الكثير.
ملاحظة: "الآراء الواردة في هذه المدونة هي آراء المؤلفين فقط"