التّعلم عن بعد: عدم المساواة ترك خلفه بعض الطلبة بقلوب يائسة
هذة المدونة هي جزء من مدونات الشبكة المشتركة لوكالات التعليم في حالات الطوارئ (الأيني) والتي تأتي ضمن إستجابة الشبكة لجائحة كوفيد ١٩.
تعتبر أزمة "كوفيد-19" من الأزمات الأكثر تعقيداً التي واجهت البشرية، وذلك بتعطيلها مناحي الحياة المختلفة، وتأثيرها المباشر في قطاعات الصحة والتّعليم والاقتصاد. لقد تغلغل الوباء في جميع المجتمعات، وابتلي به أصحاب النّفوذ والأغنياء والفقراء على حدّ سواء. كل شخص عُرضة لعدوى الفيروس وآثاره الخطيرة، مما أعطى انطباعاً أننا جميعاً متساوون فيما يتعلق بهذا الوباء.
ومع ذلك، كان تأثير "كوفيد-19"بعيداً عن المساواة عبر المجتمعات، وبشكل خاص في قطاع التَعليم. إن الانتقال من التّعلم الاعتيادي وجها لوجه إلى التّعلم عن بُعد لم يكن خياراً بل ضرورة ملّحة حين وجد العالم نفسه عالقاً في هذه الأزمة. عكفت العديد من الدول وفقاً لإمكانياتها إلى إعداد خطط الطوارئ للتحول الرقمي للتعليم عن بعد في محاولة نبيلة لإنقاذ العام الدراسي، والبقاء على تواصل مع الطلبة، والحفاظ على استمرارية التعليم. غير أن هنالك تفاوت في توفر البيئة التّعليمية الرّقمية الآمنة، وزد على هذا أثر الأميّة الالكترونية.
الآن، وبعد مرور أكثر من شهرين على الحجر المنزلي، وتعطيل المدارس، واختبار تجربة التّعلم عن بعد باختلاف طرائقها ومسوغاتها المتبعة لمواصلة التّعليم، وسدّ ثغرات الافتقار لأدنى مقومات الجهوزية لذلك التّحول يمكننا القول إنّ : بعض المجتمعات نجحت في تقليل الآثار السّلبية النّاجمة عن أزمة "كوفيد19" من خلال التثقيف والاعلام المجتمعي المكثف، والتّحول الثقافي المبني على القيّم والايجابية، واتباع تعليمات الوقاية والتّباعد الاجتماعي، وبناء جسور من الثقة بين الدول ومواطنيها، وأخيرا جعل الاستثمار في صحة الطلاب وتعليمهم الأولوية القصوى. ومع كل ما سبق ما زال هنالك قصور في النّهوض بتعليم مجموعات من الطّلاب والتي تكاد تكون معاناتهم قد تضاعفت بسبب أزمة "كوفيد19".
المعلمون في الصفوف الأولى
المعلمون هم قادة الميدان التّربوي، فقد بادر العديد منهم بالاهتمام بالعملية التّعليمية من خلال ابتكار الحلول لتخطي الازمة ملتزمين بواجبهم الأخلاقي تجاه مهنة التّعليم أولاً وطلبتهم ثانيا. وعملوا بشكل فردي أو جماعي إلى تبني الممارسات التعليمية الخلاقة، وإنتاج الألعاب والوسائل المحفزة، واشراك الطلبة في تجارب مبنية على التّعلم الذاتي للمعرفة والتّفكير النّاقد وحل المشكلات والابداع. كما عمد آخرون إلى إطلاق منصات للتدريب على تقنيات التعلم الرقمي والتطوير المهني في سبيل ابقاء جذوة التّعلم مشتعلة في نفوس طلبتهم ومستخدمين كل وسيلة ممكنة للتقدم وتخطي الصّعاب.
طلاب ذاقوا الأمرّين في أزمة "كوفيد-19"
لا شكّ أنّ العَالم يسعى جاهداً لتحقيق الهدف الرّابع من أهداف التّنمية المستدامة، إلاّ أن تفشي فيروس"كوفيد19" خلق منعطفات وصعوبات تجاه الحقّ في التّعليم؛ ففقدان الحرية في التنقل بسبب الانغلاق القسري كان له تأثيرات سلبية من أبرزها القلق والحزن والتوتر والانفعال. وربما أكثرها إثارة للقلق هو أن أزمة "كوفيد19" تهدد التعليم لفئات محددة من الطلبة أكثر من غيرهم.
الطلاب المحرومون اقتصادياً
مع اليوم الأول لإغلاق المدارس، استخدم الأطفال في العديد من الأسر الغنية أجهزتهم الإلكترونية الذكية لمواصلة تعليمهم، بينما توقف التعليم بشكل أساسي للأطفال الأكثر حرماناً من الناحية الاقتصادية. إن الوصول إلى التكنولوجيا يجعل التعلم عن بعد ميّسراً للأغنياء وعصيّاً على الفقراء، مما يساهم في زيادة الفجوة الطبقية بين هذه الشرائح من المجتمع. في حين أن الكثيرين قد اعتمدوا التعلم الإلكتروني عبر الإنترنت، لا تزال هناك مناطق جغرافية محرومة من الوصول إلى الإنترنت، وملايين الناس يفتقرون الوصول إلى التكنولوجيا الضرورية، وتنعدم عندهم متطلبات التعلم الرقمي.
الطلاب ذوي صعوبات التعلم وذوي التحصيل المتدني.
يحتاج الطلبة ذوي صعوبات التعلم والذين يعانون ضعفا في تحصيلهم الدّراسي إلى أنشطة مختلفة وفعاليات متخصصة تساهم في مساعدتهم لتخطي صعوبات تعلمهم. ليس هناك شك في أن إغلاق برامج التعليم الخاص، ومحدودية التفاعل مع المعلمين والمتخصصين، والاعتماد الجديد على أدوات التعلم الإلكتروني سوف يوسع الفجوة بينهم وبين أقرانهم في تحقيق أهداف تعلمهم.
المتعلمين الصغار
إن مستوى الادراك المعرفي والحاجات البنائية للطلبة في الصّفوف الدنيا تختلف كليّا عن احتياجات من هم في الصّفوف المتقدمة. لا شكّ أن الجهد الذي يبذله معلمو الصّفوف الدنيا في التّعليم الصّفي التّقليدي أضعاف ما يبذله غيرهم لإيصال المعلومات وتقوية مهارات الطلبة في القراءة والكتابة والحساب والتّواصل وغيرها.
إذن، ما هو وضعهم في سياقات التعلم عن بعد حيث يكون المدرسون غائبين إلى حد كبير؟
الفتيات في المدارس الثانوية
تمكين الفتيات من التّعليم مسألة تختلف باختلاف البيئة والمجتمع الذي تعيش به الفتاة، فنجد ظاهرة الزواج المبكر والإجباري تسود بعض المجتمعات بحكم العادات والتقاليد تارّة والعَوَز تارّة أخرى. مما ساهم في حرمان العديد من الفتيات الحقّ في التّعليم والحقّ في التّطور وتحقيق الذّات، وإذا بقي الوضع على حاله من اغلاق للمدارس وغياب دورها التنويري ستسوء هذه القضايا وقد تطال مجتمعات أخرى.
الأميّة الرّقمية وثقافة الحاسوب المتدنية.
يعتمد التعلم عن بعد والتعلم الالكتروني بشكل كبير على التكنولوجيا الحديثة، والتي تتمثل بإتقان ثقافة الحاسوب، والتعامل مع المنصّات الرقمية، وما زال الطلبة الذين يفتقرون الى المهارات التكنولوجية الاساسية في مأزق يمنع استمرار تعلمهم بسبب قدراتهم المحدودة في استخدام وحيازة التقنيات والوسائط والأدوات اللازمة لذلك.
اللاجئون والمهجرون
تعدّ مجتمعات اللجوء الأكثر تضرراً وضعفاً، كيف لا وهم يعيشون ظروفا قاسية بسبب التشريد والتهجير، وتتفاقم معاناتهم الصحية والنفسية مع الحروب والأزمات يوماً تلو الآخر. وهم يعتمدون بشكل رئيس على مصادر الدعم الإنساني والمساعدات لتلبية احتياجاتهم ومتطلباتهم. تكيّفهم مع أزمة "كوفيد19" يحتاج دعماً استثنائيا للتخفيف من معاناتهم ومساعدتهم للاستمرار في التّعليم بطرق تتناسب مع أوضاعهم والقيود المفروضة عليهم.
وأخيراً، ومع انهاء بعض البلدان عاماً دراسياً صعبا ًبكل تحدياته والاقتراب من عودة محتملة إلى المدارس في غضون بضعة أشهر، كيف يمكننا أن نعتبر تجربة التعلم عن بعد ناجحة عندما يتم استبعاد الكثير من المتعلمين منها؟ وهناك العديد ممن حرموا من حقهم الإنساني في التعليم، ومن خوض تجربة متّزنة تجعل من التحديات فرصا لبناء شخصياتهم، واكسابهم المهارات اللازمة لقيادة تعلمهم ومستقبلهم.
تركت أزمة "كوفيد-19" قلوباً تائهة؛ بين آلم فقدان فرص التعليم ووهم الانتصار في التعلم عن بعد، الذي يريد البعض له أن يصبح النموذج، ولكنه لا يزال بعيد المنال بالنسبة للكثيرين، حقوق الطلاب الأقل حظاً يجب أن تكون أولويتنا الفضلى.
أ.عبير قنيبي
إن الآراء المعبَّر عنها في هذه المدونة هي خاصة بالمؤلفين او المؤلفات انفسهم.