السينما تخلق فرصاً ومساحات للحوار لأطفال وشباب قطاع غزة - فلسطين
نشرت هذه المدونة في الأصل كجزء من سلسلة مدونة NORRAG حول دور التعليم الجيد في بناء السلام العادل والمستدام.
تشكل الفئة العمرية ما بين الثامنة عشرة عاماً أو أقل أكثر من نصفِ إجمالي السكان لقطاع غزة. وانطلاقا من هذه المعلومة الإحصائية البسيطة - يمكن القول أن الحرب و التهديد باندلاع الحروب لعبت و تلعب دورًا محورياً لا تخطئه العين في تشكيل وجدان و تجارب هذا الفئة المحورية من سكان القطاع. وقد تشكلت هذه النسبة أيضاً نتيجةً للأزماتِ الاقتصادية والبيئية، وإلى فشل المؤسسات، والانقسام الاجتماعي، والاستقطاب السياسي، والجمود الايدلوجي، أضِف إلى ذلك الحصارٍ الذي دام ستةَ عشر عامًا مقيدًا للتجارة ولحريةِ الحركة والتبادل الفكري والثقافي المستمر. معزولةً عن العالم الخارجي، ومحشورة بشكل مزمن تحت وطأة العنف الخارجي والصراع الداخلي، وحاضنةً لتعليمٍ بمستوىً متدنٍ في فصولٍ مكتظةٍ حيثُ الحشو والتلقين وأساليب التدريس الاستبدادية هي القاعدة المُثلى، وعلى هذا المنوال، يظل الجيل الصاعد عرضةً، وفريسةً سهلة لوباء العجز واليأس والخوف من "الآخر" الذي أطلقت العزلة له العنان.
في شهر مايو من سنة ٢٠٢١، أكد المجلس النرويجي للاجئين (NRC) أنّ ١٢ من بين ٦٣ طفلاً قتلوا جراء الغارات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة حيثُ كانوا يشاركون في برنامج الوكالة الهادف إلى مساعدة الأطفال على التعامل مع الصدمات. والجديرُ بالذكر أنه مع مستقبل غزة المعلق في الميزان، فإن المهمة المتاحة بين أيدينا هي رعاية وتنشئة القدرة الإبداعية لصغارِ السن ليصبحوا متمكنينَ بشكلٍ أفضل من مقاومة الحتمية والإجبار في التعليم، بل وعوضاً عن ذلك إتاحة الفرصة لتفتيحِ مداركهم من خلال تجارب التعلّم التحويلي_ سواءً كان تعليماً رسمياً أو غير رسمي_ مما يجعلهم مؤهلينَ للطموحِ والاستكشاف، ولبلوغِ كامل إمكانياتهم بشكل أفضل.
سينما الطفل – غزة، مبادرة تعليم بناء السلام
منذُ عام ٢٠١٣، سَعَت سينما الطفل- غزة (GCC) إلى اتباع استراتيجية تهدف إلى تعزيز مرونة الأطفال في المجتمعات المحلية، وتمثل هذهِ السينما أسلوب "العلاج" الذي يدمج الترفيه والتعليم والتنمية الاجتماعية معاً، وبالشراكة مع مؤسسة تامر للتعليم المجتمعي، ينظم فريق محلي من المعلمين جلسات سينمائية تتضمن مناقشة قطعة قصيرة (30-45 دقيقة) تمثل مجموعة متنوعة من الأساليب السينمائية المختلفة. ومن الجدير ذكره أن الأمثلة التوضيحية تشمل البرامج التي تم بثها على قناة الجزيرة للأطفال ومقتطفات من أفلام تشارلي شابلن والرسوم المتحركة اليابانية والأوروبية الحائزة على جوائز.
وقد تم تصميم شكل ومحتوى كل قطعةٍ سينمائيةٍ بطريقةٍ تلامس خيال الأطفال وتثير فضولهم وتثري إحساسهم بما هو ممكنٌ في حياة الأفراد والعائلات والمجتمعات أيضاً. وتقوم الأفلام المعروضة بمقام العدسة التي تسمح بتوسيع وجهاتِ النظر حول الثقافاتِ والمجتمعات العالميةِ المختلفة. كما أنها تصبح حافزًا للحوار بين الشباب أنفسهمْ حول طموحاتهم ومخاوفهم وأحلامهم، وحولَ طبيعة بيئتهم والتغييرات التي يرغبون في رؤيتها من حولهم، والعثراتِ التي تحول بينهم وبين مستقبلٍٍ أفضل، وحواراتٍ تتضمنّ مسارات التقدم أيضاً.
وتوفر مبادرة سينما الطفل في غزة ما هو نادرٌ في القطاع: مساحة آمنة تهيئ للأطفالِ الجو المناسب ليعبروا عن آرائهم الخاصة، وليسمعوا ويتعلموا من بعضهم البعض، وليشاركوا كذلك الأفكار ويعملوا معاً لتحديدِ ومعالجة التحديات الشخصية والمشتركة. وبالإضافةِ إلى ذلك، توفر مبادرة سينما الطفل في غزة مساحةً آمنة تمكن الأطفال من تجربةِ ثقافةِ البحث المنفتح عوضاً عن ثقافة الخوفِ والتلقين. ولا مناصَ من القول بأن هذه التجربة التعليمية تتيحُ للأطفال فرصةً لفتح عقولهم بما يتجاوز تجربتهم الحيةِ للصراع، ليعكسوا ويتخيلوا عالمًا مختلفًا.
"أحسستُ بشعورٍ لطيفٍ وغريب عندما دخلت صالة السينما، كما أنني أحببت الفيلم لأنها كانت المرة الأولى التي أحضر فيها شيئاً آخر غير كرة القدم. أنا دائماً أشاهد مباريات كرة القدم، كان الفيلم يدور حول الموسيقى والحب وعن الله والسينما أيضاً." (إبراهيم، ٨ – سنوات)
خطوة من أجل أن تصبح السينما جزءًا من ثقافة الأطفال الصغار في غزة
أصبحت أنشطة السينما جزءًا من المجالات التي يقدمها معهد تامر للتعليم المجتمعي للشباب في غزة. تعمل المنظمة غير الحكومية للتعليم المجتمعي بشكل وثيق مع الشركاء المحليين للوصول إلى الفئات الأكثر تهميشًا من الأطفال والشباب في غزة. ما يقرب من عقد من تنفيذ جلسات السينما في مراكز التعليم المجتمعية المحلية، قام تامر بتكييف السينما لتصبح أحد برامج التعليم المتكاملة للمنظمة. كان لوجود ورش عمل السينما تأثير مزدوج: فقد أسهم في تعزيز وجود تجربة المحبة للسينما بين شباب غزة ودعم الجهود المبذولة لإحياء ثقافة السينما في قطاع غزة المحاصر؛ وأنشأت حيزاً تعليمياً غير رسمي، حيث يصبح الحوار ممكناً. وقد خلق هذا تأثيرًا مضاعفًا، حيث يتبع شركاء التعليم المحليون خطوات معهد تامر لتقديم تجارب سينمائية للأطفال في مجتمعاتهم المحلية، وتوفير مساحات إضافية لتصميم أنشطة السينما وضمان تأمين مساحات آمنة للأطفال للتفكير ورواية قصصهم.
" دائماً ما تحمل الأفلام التي نشاهدها دروساً وعِبر بإمكاننا أن نتعلم منها، ثمةَ شيءٌ ما وراء كل فيلم إما أن يكون درسًا أو فكرةً ما يتوجب علينا أن نستنبطها أو نتفكر بها." (مهدي، فتىً يافع)
"سينما الطفل" الأولى في غزة
لا بدّ من الإشارةِ إلى أن السنوات القليلة الماضية من الجهود المتواصلة ولّدت اهتمامًا وشغفًا ومشاركة في المجتمعات المحلية، سواءً من الأفراد أو العائلات أو حتى المنظمات الشريكة. وفي هذا الصدد، تعمل مؤسسة تامر حاليًا بالشراكة مع جمعية إعمار في منطقة خان يونس جنوبي قطاع غزة، على تصميم وبناء وتجهيز صالات سينما دائمة للأطفال. وقد قامت مؤسسة تامر بتأمين الموارد المالية لبدء تنظيم جلسات السينما من خلال العمل بلا كلل مع الشريك المحلي، وبالشراكةِ مع إعمار، نفذت المؤسسة أول عرضٍ تجريبيٍ لفيلمٍ شارك فيه أطفال من المناطق المحيطة وكذلك أولياء الأمور. ويشارك المثقفون بمن فيهم المُنسقين والآباء والأطفال واللجان المحلية إعجابهم بمبادرة سينما الطفل والتي تعد الأولى من نوعها حيثُ إنها تخلق مساحةً للترفيه، وتُنشئ حوارًا تعليميًا آمنًا حول القضايا التي تؤثر على حياة المجتمعات في غزة.
"عادةً ما يتم عرض الأعمال السينمائية في صالات كبيرة التي من المهم للغاية أن تكون هادئة." (هالة، فتاة شابة)
بالنسبة للأطفال والشباب الذين ينشؤون في بيئة محاطة بالاضطهاد وتحت الحصار، ومع الصراع الذي أصبح سمة ثابتة من سمات حياتهم، فإن هذا النوع من تجربة التعليم الجيد غير النظامي يوفر البهجة ويتحدى أشباح اليأس التي تطاردهم. وفي ظِل البيان التأسيسي لليونسكو الذي ينص على أنه: "بما أن الحرب تبدأ في عقول البشر، فإنه في عقولِ البشر يجب أن تُبنى دفاعات السلام" (اليونسكو، 1966)، تسلط سينما الأطفال، وغيرها من الفرص المماثلة الضوء على قوة التعليم للمساهمةِ في التفكير والحوار والأمل في مستقبل أكثر سلامًا لملايين الشباب الذين ينشؤون تحت ظروفِ الصراع.
******************************************************************************************************************************************
أيمن قويدر: ماجستير في دراسات السلام والصراع والتنمية، وهو باحث وتربوي من مدينة غزة – فلسطين، ويقيم حالياً في أستراليا حاصلاً على درجة الماجستير في دراسات السلام والصراع والتنمية من جامعة جاومي الأولى (إسبانيا). ويُعد أيمن قويدر مُعلماً مؤهلاً، فقد شارك خلال مسيرته المهنية في مشاريع بحثية مختلفة آخرها كان مشروع (www.Deathscapes.org)، كما أنه عمل مع العديد من المنظمات الدولية منها اليونسكو باريس، واليونسكو فلسطين. كما أنه مهتم بشكلٍ خاص بالتعليم الجامع وإدماج ذوي الإعاقات والتعليم في حالات الطوارئ. ويتمتع أيمن بخبرة في مشاريع التعليم المجتمعي في سياقات ما بعد الصراع والعمل مع الأشخاص من ذوي الإعاقات. وهو مؤسس مشارك لـسينما الطفل – غزة، وهي مبادرة تعليمية مجتمعية في غزة تهدف إلى توفير مساحة سلمية وخلاقة حيث يمكن أن يكون الأطفال أطفالًا بالمعنى الحقيقي، وحيث يمكن نسيان الحقائق الساحقة للحصار والخسارة والحرب مؤقتًا.